مساعدات من السلطان العثماني
لم ينس الإيرلنديون هذا المعروف الذي أسداه إليهم العثمانيون الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلومترات. فقاموا بوضع الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919
لم ينس الإيرلنديون هذا المعروف الذي أسداه إليهم العثمانيون الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلومترات. فقاموا بوضع الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919
يستغرب البعض رؤية الهلال والنجمة الموجودين في شعار فريق "دروهيدا" الإيرلندي لكرة القدم؛ وإنما يرجع السبب في ذلك إلى واقعة حدثت أثناء المجاعة التي شهدتها إيرلندا عام 1847.
يروى أن الدبلوماسي والشاعر التركي يحيى كمال بياتلي أثناء مشاركته في مباحثات لوزان عام 1923 رأى أن ممثل إيرلندا في المفاوضات يدعم الوفد التركي بعكس موقف ممثلي وفود الدول الأوروبية الأخرى. تعجب بياتلي من موقف الدبلوماسي الإيرلندي، وانتهز الفرصة ليسأله عن سبب ذلك. فأجابه: "كل الإيرلنديين مثلي لا بد أن يفعلوا ذلك. لأنه في الوقت الذي لم يساعدنا فيه أي أوروبي عندما كنا نواجه خطر الموت بسبب المجاعة، هب أجدادكم لنجدتنا فأرسلوا إلينا المال والسفن المحملة بالغذاء. وبفضل ذلك ظل الكثير منا على قيد الحياة، ونحن لا يمكن أن ننسى اليد التي مدت لمساعدتنا في محنتنا."
* ذكريات مؤلمة:
في تلك الفترة كانت كل الأراضي في إيرلندا التي يعتنق غالبية شعبها المذهب الكاثوليكي، ملكاً لعشرة آلاف شخص فقط يعيش معظمهم في إنكلترا. وكانت تلك الأراضي تؤجر إلى 600 ألف مزارع إيرلندي. وكانت الإيجارات مرتفعة بسبب زيادة الكثافة السكانية. معظم المحاصيل كانت تُنقل إلى إنكلترا. وفي عام 1845 صُدر مليون طن من الغلال و258 ألف شاة إلى إنكلترا. وكانت قطع الأراضي الصغيرة تؤجر إلى العمال. أما العمال والمزارعون البالغ عددهم 4 ملايين فكانوا يقومون بزراعة غذائهم الوحيد وهو البطاطا لتأمين معيشتهم.
في عام 1845 حدثت مجاعة كبيرة في إيرلندا مثلما كان الحال في معظم الدول الأوروبية. وتلك المجاعة من أهم الأحداث في تاريخ إيرلندا، وتعرف بـ"مجاعة البطاطا" لأنها حدثت إثر تلف محصول البطاطا، الغذاء الرئيسي للسكان، بآفة فطرية تسمى "اللفحة المتأخرة" أو فيتوفثورا إنفستنس، انتقلت (أو تم جلبها عمداً) من القارة الأمريكية. وأتلفت ثلث المحصول عام 1845. وفي السنة التالية أتلفت نحو 90% من المحصول الذي يعتمد عليه السكان في غذائهم.
وبلغت المجاعة ذروتها عام 1847 عندما اضطر الشعب الجائع إلى أكل البذور اللازمة للزراعة. وفي السنة التالية لذلك تلف نصف المحصول عندما تم استخدام بذور مستوردة من الخارج.
* مساعدة كبيرة:
عندما علم السلطان العثماني عبد المجيد الذي يتحلى بالكرم بالأمر قرر إرسال 10 آلاف جنيه إسترليني إلى إيرلندا لنجدة شعبها رغم أنه لم يُطلب منه القيام بذلك. وكانت تلك لفتة طيبة حازت تقدير وإعجاب جميع العالم.
وعلى الرغم من أن إنكلترا كانت وقتها واحدة من أغنى الدول في العالم، لم تتصرف الملكة فيكتوريا تجاه شعبها بنفس الكرم الذي تصرف به السلطان عبد المجيد. وأرسلت إلى إيرلندا ألفي جنيه إسترليني فقط. ولكي تحافظ لندن على اعتبارها طلبت من الحكومة العثمانية تقليل المبلغ إلى ألف جنيه فقط. وافق السلطان العثماني لكنه أرسل إضافة إلى المال ثلاث سفن محملة بالغذاء والأدوية والبذور اللازمة للزراعة.
كانت إيرلندا في ذلك الوقت واحدة من مستعمرات بريطانيا. ورفضت الحكومة الإنكليزية السماح لسفن المساعدات العثمانية أن ترسو في ميناء دبلن. لذلك رست السفن في ميناء دروهيدا الذي يبعد 30 ميلاً عن ميناء دبلن. وهناك أفرغت السفن حمولتها.
قيام الدولة العثمانية بمساعدة بلد فقير يبعد عنها أربعة آلاف كيلومتر تعتنق ديناً غير دينها، أمر يستحق التقدير والاحترام، إلا أن المثير للدهشة هو قيام الحكومة الإنكليزية بمنع تلك المساعدات المقدمة لبلد تحت حكمها.
* سر الهلال والنجمة في الشعار:
قام النبلاء وعامة الشعب في إيرلندا بإرسال خطاب شكر للسلطان العثماني. ولا يزال الخطاب محفوظاً حتى اليوم في أرشيف متحف طوب قابي سراي. ويقول الخطاب باختصار "يتقدم الشعب الإيرلندي والنبلاء الموقعون على هذا الخطاب بجزيل الشكر والتقدير لجلالة السلطان عبد المجيد على كرمه وإحسانه تجاه الشعب الإيرلندي الذي يعاني المجاعة، كما يتقدم بالشكر الجزيل لجلالته على تبرعه السخي بألف جنيه إسترليني لتلبية احتياجات الشعب الإيرلندي والتخفيف من آلامه."
لم ينس الإيرلنديون هذا المعروف الذي أسداه إليهم العثمانيون الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلومترات. فقاموا بوضع الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919. وفي مايو/أيار عام 2006 أثناء احتفال بلدية دروهيدا بالذكرى السنوية الـ 800 لتأسيسها، قامت البلدية بتخليد ذكرى هذه الواقعة عن طريق تعليق لوحة شكر ضخمة على جدار مبنى البلدية القديم (حاليا يوجد مكانه فندق ويست كورس) حيث تمت استضافة البحارة العثمانيين الذين أحضروا المساعدات قبل 150 عاماً. وتلخص العبارات القليلة على تلك اللوحة تاريخاً يمكن روايته في مجلدات كبيرة عن الإنسانية والكرم.
وخلال تلك المراسم لفت رئيس بلدية دروهيدا "الدرمان فرانك غودفري" إلى وجود الهلال والنجمة في شعار المدينة أيضاً وقال: "أتمنى أن تكون هذه اللوحة التذكارية رمزاً للصداقة بين شعبي البلدين." كما أكد مدير "متحف المجاعة" شكره وامتنانه للشعب التركي والدولة العثمانية.
قبل مدة قصيرة ادعى أحد الصحفيين الإيرلنديين أن هذه الواقعة ما هي إلا أسطورة لأنه لا يوجد في دفاتر الميناء أي تسجيل لسفن المساعدات تلك. كما ادعى أن رمز الهلال والنجمة الموجود بشعار المدينة يعود تاريخه إلى عام 1210. ولكن على الرغم من ادعائه هذا تظل المساعدات التي قدمها العثمانيون محفورة في وجدان الشعب الإيرلندي.
وأثناء الزيارة الأخيرة التي أجرتها رئيسة الجمهورية الإيرلندية، ماري ماك أليس، التي تدعم تركيا في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ذكرت بالواقعة قائلة "إن الشعب الإيرلندي لم ينس أبداً هذا الكرم الذي لا مثيل له. الرموز الموجودة في علمكم (الهلال والنجمة) أصبحت شعاراً للمدينة. حتى إننا نرى أيضا هذا الشعار التركي الجميل على زي فريق كرة القدم لدينا."
يستغرب البعض رؤية الهلال والنجمة الموجودين في شعار فريق "دروهيدا" الإيرلندي لكرة القدم؛ وإنما يرجع السبب في ذلك إلى واقعة حدثت أثناء المجاعة التي شهدتها إيرلندا عام 1847.
يروى أن الدبلوماسي والشاعر التركي يحيى كمال بياتلي أثناء مشاركته في مباحثات لوزان عام 1923 رأى أن ممثل إيرلندا في المفاوضات يدعم الوفد التركي بعكس موقف ممثلي وفود الدول الأوروبية الأخرى. تعجب بياتلي من موقف الدبلوماسي الإيرلندي، وانتهز الفرصة ليسأله عن سبب ذلك. فأجابه: "كل الإيرلنديين مثلي لا بد أن يفعلوا ذلك. لأنه في الوقت الذي لم يساعدنا فيه أي أوروبي عندما كنا نواجه خطر الموت بسبب المجاعة، هب أجدادكم لنجدتنا فأرسلوا إلينا المال والسفن المحملة بالغذاء. وبفضل ذلك ظل الكثير منا على قيد الحياة، ونحن لا يمكن أن ننسى اليد التي مدت لمساعدتنا في محنتنا."
* ذكريات مؤلمة:
في تلك الفترة كانت كل الأراضي في إيرلندا التي يعتنق غالبية شعبها المذهب الكاثوليكي، ملكاً لعشرة آلاف شخص فقط يعيش معظمهم في إنكلترا. وكانت تلك الأراضي تؤجر إلى 600 ألف مزارع إيرلندي. وكانت الإيجارات مرتفعة بسبب زيادة الكثافة السكانية. معظم المحاصيل كانت تُنقل إلى إنكلترا. وفي عام 1845 صُدر مليون طن من الغلال و258 ألف شاة إلى إنكلترا. وكانت قطع الأراضي الصغيرة تؤجر إلى العمال. أما العمال والمزارعون البالغ عددهم 4 ملايين فكانوا يقومون بزراعة غذائهم الوحيد وهو البطاطا لتأمين معيشتهم.
في عام 1845 حدثت مجاعة كبيرة في إيرلندا مثلما كان الحال في معظم الدول الأوروبية. وتلك المجاعة من أهم الأحداث في تاريخ إيرلندا، وتعرف بـ"مجاعة البطاطا" لأنها حدثت إثر تلف محصول البطاطا، الغذاء الرئيسي للسكان، بآفة فطرية تسمى "اللفحة المتأخرة" أو فيتوفثورا إنفستنس، انتقلت (أو تم جلبها عمداً) من القارة الأمريكية. وأتلفت ثلث المحصول عام 1845. وفي السنة التالية أتلفت نحو 90% من المحصول الذي يعتمد عليه السكان في غذائهم.
وبلغت المجاعة ذروتها عام 1847 عندما اضطر الشعب الجائع إلى أكل البذور اللازمة للزراعة. وفي السنة التالية لذلك تلف نصف المحصول عندما تم استخدام بذور مستوردة من الخارج.
* مساعدة كبيرة:
عندما علم السلطان العثماني عبد المجيد الذي يتحلى بالكرم بالأمر قرر إرسال 10 آلاف جنيه إسترليني إلى إيرلندا لنجدة شعبها رغم أنه لم يُطلب منه القيام بذلك. وكانت تلك لفتة طيبة حازت تقدير وإعجاب جميع العالم.
وعلى الرغم من أن إنكلترا كانت وقتها واحدة من أغنى الدول في العالم، لم تتصرف الملكة فيكتوريا تجاه شعبها بنفس الكرم الذي تصرف به السلطان عبد المجيد. وأرسلت إلى إيرلندا ألفي جنيه إسترليني فقط. ولكي تحافظ لندن على اعتبارها طلبت من الحكومة العثمانية تقليل المبلغ إلى ألف جنيه فقط. وافق السلطان العثماني لكنه أرسل إضافة إلى المال ثلاث سفن محملة بالغذاء والأدوية والبذور اللازمة للزراعة.
كانت إيرلندا في ذلك الوقت واحدة من مستعمرات بريطانيا. ورفضت الحكومة الإنكليزية السماح لسفن المساعدات العثمانية أن ترسو في ميناء دبلن. لذلك رست السفن في ميناء دروهيدا الذي يبعد 30 ميلاً عن ميناء دبلن. وهناك أفرغت السفن حمولتها.
قيام الدولة العثمانية بمساعدة بلد فقير يبعد عنها أربعة آلاف كيلومتر تعتنق ديناً غير دينها، أمر يستحق التقدير والاحترام، إلا أن المثير للدهشة هو قيام الحكومة الإنكليزية بمنع تلك المساعدات المقدمة لبلد تحت حكمها.
* سر الهلال والنجمة في الشعار:
قام النبلاء وعامة الشعب في إيرلندا بإرسال خطاب شكر للسلطان العثماني. ولا يزال الخطاب محفوظاً حتى اليوم في أرشيف متحف طوب قابي سراي. ويقول الخطاب باختصار "يتقدم الشعب الإيرلندي والنبلاء الموقعون على هذا الخطاب بجزيل الشكر والتقدير لجلالة السلطان عبد المجيد على كرمه وإحسانه تجاه الشعب الإيرلندي الذي يعاني المجاعة، كما يتقدم بالشكر الجزيل لجلالته على تبرعه السخي بألف جنيه إسترليني لتلبية احتياجات الشعب الإيرلندي والتخفيف من آلامه."
لم ينس الإيرلنديون هذا المعروف الذي أسداه إليهم العثمانيون الذين يبعدون عنهم آلاف الكيلومترات. فقاموا بوضع الهلال والنجمة (شعار الدولة العثمانية) على شعار نادي دروهيدا لكرة القدم الذي أُسس عام 1919. وفي مايو/أيار عام 2006 أثناء احتفال بلدية دروهيدا بالذكرى السنوية الـ 800 لتأسيسها، قامت البلدية بتخليد ذكرى هذه الواقعة عن طريق تعليق لوحة شكر ضخمة على جدار مبنى البلدية القديم (حاليا يوجد مكانه فندق ويست كورس) حيث تمت استضافة البحارة العثمانيين الذين أحضروا المساعدات قبل 150 عاماً. وتلخص العبارات القليلة على تلك اللوحة تاريخاً يمكن روايته في مجلدات كبيرة عن الإنسانية والكرم.
وخلال تلك المراسم لفت رئيس بلدية دروهيدا "الدرمان فرانك غودفري" إلى وجود الهلال والنجمة في شعار المدينة أيضاً وقال: "أتمنى أن تكون هذه اللوحة التذكارية رمزاً للصداقة بين شعبي البلدين." كما أكد مدير "متحف المجاعة" شكره وامتنانه للشعب التركي والدولة العثمانية.
قبل مدة قصيرة ادعى أحد الصحفيين الإيرلنديين أن هذه الواقعة ما هي إلا أسطورة لأنه لا يوجد في دفاتر الميناء أي تسجيل لسفن المساعدات تلك. كما ادعى أن رمز الهلال والنجمة الموجود بشعار المدينة يعود تاريخه إلى عام 1210. ولكن على الرغم من ادعائه هذا تظل المساعدات التي قدمها العثمانيون محفورة في وجدان الشعب الإيرلندي.
وأثناء الزيارة الأخيرة التي أجرتها رئيسة الجمهورية الإيرلندية، ماري ماك أليس، التي تدعم تركيا في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ذكرت بالواقعة قائلة "إن الشعب الإيرلندي لم ينس أبداً هذا الكرم الذي لا مثيل له. الرموز الموجودة في علمكم (الهلال والنجمة) أصبحت شعاراً للمدينة. حتى إننا نرى أيضا هذا الشعار التركي الجميل على زي فريق كرة القدم لدينا."
Önceki Yazılar
-
القدس في قلوبنا16.12.2017
-
حُبّ القطط من الإيمان8.12.2017
-
قوانين الشريعة في الاتحاد الأوروبي26.11.2017
-
من لا يجد الخبز فليأكل الكعك!.. حكاية سيد الموائد19.11.2017
-
خدمات العثمانيين في الأراضي المقدسة12.11.2017
-
البريد في الدولة العثمانية.. من إسطنبول إلى بغداد في 14 يوماً4.11.2017
-
الحياة الاقتصادية في الدولة العثمانية27.10.2017
-
عقدالزواج في الإسلام21.10.2017
-
اليهود في الدولة العثمانية13.10.2017
-
الذهب الأبيض.. حكاية السكر7.10.2017