اليهود في الدولة العثمانية

استقبل السلطان العثماني بايزيد الثاني عشرات الآلاف من يهود السفارديم الذين فروا من الإسبان عام 1492. واستقروا في العديد من الولايات العثمانية وفي مقدمتها سلانيك وإسطنبول وإزمير. وفي عام 1660 لجأت إلى الدولة العثمانية أيضاً مجموعة جديدة من اليهود الذين نجوا من المذابح في بولندا وأوكرانيا
13 Ekim 2017 Cuma
13.10.2017

 

استقبل السلطان العثماني بايزيد الثاني عشرات الآلاف من يهود السفارديم الذين فروا من الإسبان عام 1492. واستقروا في العديد من الولايات العثمانية وفي مقدمتها سلانيك وإسطنبول وإزمير. وفي عام 1660 لجأت إلى الدولة العثمانية أيضاً مجموعة جديدة من اليهود الذين نجوا من المذابح في بولندا وأوكرانيا.

كانت الدولة العثمانية أكثر مكان عاش فيه اليهود بحرية وراحة طوال تاريخهم. فحتى في القرن التاسع عشر لم يكن اليهود يتمتعون بالحرية الدينية ولا حتى الحق في الحياة في معظم الدول الأوروبية.

قابل العثمانيون اليهود أول مرة على أراضي الدولة البيزنطية التي فتحوها. وكان يُطلق على هؤلاء اليهود الذين يتحدثون اللغة الرومية اسم "الرومانيوت". ومع مرور الوقت أصبحت مجموعات يهودية جديدة مواطنين الدولة العثمانية.

في عهد السلطان العثماني مراد الثاني لجأ اليهود الذين طردوا من فرنسا إلى الدولة العثمانية، كما لجأ إليها أيضاً اليهود الأشكيناز الذين طردهم ملك بافاريا عام 1470.

واستقبل السلطان العثماني بايزيد الثاني عشرات الآلاف من يهود السفارديم الذين فروا من الإسبان عام 1492. واستقروا في العديد من الولايات العثمانية وفي مقدمتها سلانيك وإسطنبولوإزمير. وفي عام 1660 لجأت إلى الدولة العثمانية أيضاً مجموعة جديدة من اليهود الذين نجوا من المذابح في بولندا وأوكرانيا.

* المدن:

كان 90% من يهود الدولة العثمانية من يهود السفارديم وكانوا من أهل المدن ويعيشون في مدن مثل إسطنبول، سلانيك، إزمير، أدرنة، بورصا، القدس، صفد، الشام، القاهرة، أنقرة، طوقات، أماسيا. وفي عهد السلطان سليمان القانوني كان عدد سكان إسطنبول 500 ألف نسمة وكان عدد اليهود هناك حوالي 40 ألفاً وهو عدد يفوق نصف عدد اليهود في سلانيك التي تعد أكبر مدينة لليهود في العالم آنذاك.

كانت الدولة العثمانية أبعد ما يمكن عن معاداة السامية، وكانت أكثر مكان في العالم عاش فيه اليهود بحرية وراحة طوال تاريخهم. وفي القرن التاسع عشر كان اليهود في أوروبا محرومين من العمل في الوظائف العامة، بل كانوا محرومين من حرية العقيدة وحتى من الحق في الحياة. وكانوا يعيشون في ظروف معيشية سيئة للغاية في أحياء مغلقة يطلق عليها "الجيتو". وكانوا محرومين من حق التملك والتعليم والسفر، وكان محظور عليهم تأسيس مطبعة أو إصدار صحيفة.

وفي النمسا التي تعد واحدة من أكثر الدول التي عاش فيها اليهود بحرية حصل اليهود على حق السكن في المدن، ودخول جامعات غير الجامعات اليسوعية، والعمل في بعض الحرف عام 1782 مع صدور "براءة التسامح" خوفاً من الثورة الفرنسية. ولم يكن العثمانيون ليفكرون حتى في مثل هذه التضييقات والمحظورات على اليهود.

* قتل اليهود للأطفال المسيحيين:

سُمح لليهود بالتحرك في مساحات محدودة والعمل في مجالات محددة في العالم المسيحي. وبفضل اشتغالهم بالتجارة أصبحوا أغنياء ووصلوا لدرجة أنهم أصبحوا يقرضون الحكومات. وأدى ذلك إلى زيادة العداء تجاههم.

تحسنت أوضاع اليهود بعض الشيء في القرن التاسع عشر مع تيارات التحرر إلا أن ذلك لم يكن بهويتهم اليهودية بل بشرط أن يتم تعميدهم أو يتبنوا الثقافة المسيحية. واستطاعوا أن يحتلوا مكاناً وإن كان محدوداً في الحياة العلمية والثقافية والسياسية في أوروبا. وبدأ اليهود بفضل مجتمع اليهود الأثرياء خاصة في العالم الأنجلو –أمريكي في لعب دراً في السياسة العالمية

كان اليهود في الدولة العثمانية يتعرضون لمضايقات من جيرانهم المسحيين، لا من الأتراك. فالمسيحيون منذ قديم الزمان يعادون اليهود عداء شديداً بسبب موقفهم من المسيح عليه السلام. وكان ذلك أيضاً السبب الرئيسي وراء كل ما يعانيه اليهود وما يتعرضون له من مشاكل في كل مكان. حتى أن المسيحيين يعتقدون أن اليهود يمزجون دماء الأطفال المسيحيين بالفطيرة التي يأكلون منها في عيد الفصح التي تصنع دون استخدام الدقيق. وكانوا يشكون كثيراً من أن اليهود يخطفون أطفالهم ويقتلونهم بوضعهم في براميل بها إبر حادة للحصول على دمائهم. مع أن الشريعة اليهودية تحرم شرب الدماء حتى دماء الحيوانات المباح أكل لحومها.

واليهودي المتدين لا يأكل اللحم قبل أن يغسله سبع مرات. وقد ورد ذكر تلك البراميل كثيراً في العديد من الشكاوى المقدمة للحكومة العثمانية. وكان ذلك أيضاً سبب اندلاع المذبحة التي شهدتها دمشق الشام عام 1840 والتي أدت إلى الحكم الذاتي في لبنان.

* أكبر المدن اليهودية:

لم يكن هناك شخص واحد يتولى منصب كبير الحاخامات اليهود في الدولة العثمانية نظراً لعدم وجود طائفة الرهبان في الشريعة اليهودية. بل كانت كل طائفة يهودية مقسمة حسب العرق أو الولاية أو حتى المدينة الأم تتبع كبير حاخامات يختارونه ويتم تعيينه بفرمان من السلطان. وكان لكل طائفة منهم حاخامها وكنيسها ومدرستها ومعلمها ومحكمتها ومستشفاها ومقابرها وصحيفتها الخاصة.

وكان الحاخام هو من يترأس أيضاً المحكمة الدينية التي يُطلق عليها "بيت دين". وكان يدير المراسم الدينية مثل الخطبة والزواج والولادة والختان والقبول في الجماعة والجنازات، وذبح القرابين وغيرها. كما يتولى النظر في دعاوى الأحوال الشخصية لليهود مثل العلاقات الأسرية والميراث. كذلك كان مسؤولاً عن جمع الضرائب وتسليمها للحكومة.

اشتغل اليهود في الدولة العثمانية بالتجارة كما فعلوا في كل مكان. وفي القرن السادس عشر وصل ثراؤهم لدرجة إقراض القصر العثماني. وقد أكسبهم هذا قوة تمكنهم من النفوذ إلى السلطة السياسية.

عام 1844 كان عدد سكان الدولة العثمانية 35 مليون و350 ألف نسمة منهم 170 ألف يهودي. وفي عام 1905 عندما كان عدد السكان 20,9 مليون نسمة كان عدد اليهود نحو 256 ألفاً. وفي عام 1914 عندما انخفض عدد السكان إلى 18,5 مليون كان عدد اليهود 187 ألفا. كما كانوا يشكلون 1,1 % من إجمالي عدد السكان في مطلع القرن العشرين. وكان التغير في عدد السكان يحدث نتيجة فقدان الدولة لأراضي مختلفة ونتيجة الهجرات.

* الصهيونية:

عام 1865 تم نشر قانون "نظام الحاخام خانة" وأصبح اليهود من العامة لهم كلمة أيضاً في إدارة الجماعة مثل رجال الدين، مما أكسب إدارة الجماعة نظاماً ديمقراطياً. وأدى تنظيم الوضع الاجتماعي والقانوني لليهود بشكل مشابه لغيرهم من الجماعات غير المسلمة في الدولة العثمانية، إلى غضب الأوساط المسيحية. حتى أن المواطنين الروم كانوا يقولون " ياللعار على الدولة العثمانية! لقد ساوت بيننا وبين اليهود. لقد كنا راضين بسيادة الإسلام علينا." كان المسيحيون في الدولة العثمانية دائماً ما يحتقرون اليهود.

وعلى الرغم من أن غير المسلمين في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر كانوا يلقون دعماً من الدول الأوروبية ويتم استخدامهم كورقة ضغط ضد الحكومة، إلا أن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة لليهود. ولكن أدى ظهور تيار الصهيونية الذي بدأ في أوروبا في القرن التاسع عشر إلى كارثة كبيرة بالدولة العثمانية.

كان هناك بين اليهود مجموعة يُطلق عليها "الصهاينة" تريد تأسيس دولة في فلسطين. وقد استطاعت تلك المجموعة الحصول على دعم مادي ومعنوي قوي. كانت تلك الجماعة ترى السلطان عبد الحميد الثاني العائق الذي يحول بينها وبين تحقيق آمالها لذا قاموا بمساعدة جماعة "تركيا الفتاة" (الأتراك الشباب) التي كانت تعمل على عزل السلطان عبد الحميد. ومع عزل السلطان عبد الحميد سُمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.

اعتبارا من عام 1908 كان حزب الاتحاد والترقي هو المسيطر على الحكومة في الدولة العثمانية. وكان أهم ممول ومرشد مصرفي إيطالي الأصل من يهود سلانيك يدعى إيمانويل كاراسو، وكان له دوراً حتى في تشكيل حكومة أنقرة. بعد ذلك عاد إلى بلده الأصلي إيطاليا وتوفي هناك.

مع التمرد اليوناني عام 1821 فقد الروم اعتبارهم ومكانتهم في الدولة العثمانية بعد أن كانوا يتمتعون بامتيازات كثيرة. وسعى اليهود إلى أن يكونوا أهم طائفة من غير المسلمين في الدولة. إلا أن الأرمن الذين كانوا يزاولون حرفاً مختلفة في كل أنحاء الأناضول استطاعوا الحصول على تلك المكانة بثرواتهم ورؤوس أموالهم. وعلى ضوء التوصيات والنصائح التي قدمها اللوبي اليهودي إلى جماعة تركيا الفتاة تم تهجير الأرمن من الأناضول. وبذلك أصبح اقتصاد البلاد تماماً في يد اليهود.

كان إيمانويل كاراسو ضمن الوفد الذي أبلغ السلطان عبد الحميد الثاني بقرار خلعه عن العرش، وكان أيضاً الصديق المقرب وكاتم أسرار الصدر الأعظم طلعت باشا الذي أصدر قرار تهجير الأرمن. حتى أن طلعت باشا أثناء هروبه إلى خارج البلاد عام 1918 استأمن كاراسو على كل ممتلكاته.

مع إعلان الجمهورية في تركيا تعرض اليهود في البلاد لمضايقات كثيرة. خاصة في الأربعينيات بسبب السياسات المعادية للسامية. وفي عام 1942 تم تأميم قسم كبير من رؤوس الأموال اليهودية مع إصدار قانون ضريبة الثروة. وهاجر معظم اليهود في تركيا إلى إسرائيل بعد تأسيسها عام 1948.

وفي الوقت الحاضر يعيش في تركيا نحو 50 ألف يهودياً معظمهم من الأغنياء الذين يعملون بالتجارة. وهم موالون للدولة والحكومة.