الحياة الاقتصادية في الدولة العثمانية

كانت المبادئ الليبرالية هي المسيطرة على الحياة الاقتصادية في الدولة العثمانية. إلا أنها لم تكن ليبرالية مطلقة دون رقابة. بل كانت العدالة الاجتماعية هي الأساس في توزيع الدخل القومي على الأفراد
27 Ekim 2017 Cuma
27.10.2017

 

كانت المبادئ الليبرالية هي المسيطرة على الحياة الاقتصادية في الدولة العثمانية. إلا أنها لم تكن ليبرالية مطلقة دون رقابة. بل كانت العدالة الاجتماعية هي الأساس في توزيع الدخل القومي على الأفراد

 عملتان ذهبيتان أصليتان أرسلتا من الدولة العثمانية إلى مكة. ومحفوظتان اليوم بمتحف طوف قابي سراي في إسطنبول

 

كان اقتصاد الدولة قائما بفضل خزانة الدولة. وكان ملء الخزانة وأيضاً الصرف منها في الجهات الصحيحة عملاً مهماً يعد فناً. وأقدم الكتب التي وصلت إلينا بخصوص ذلك هو كتاب "الخراج" الذي كتبه "أبو يوسف" وهو من أشهر تلامذة الإمام أبي حنيفة النعمان وعاش في القرن الثاني الهجري. وقد كتب هذا الكتاب بتكليف من الخليفة هارون الرشيد.

ضرائب أقل = طاعة أكثر

تتألف خزانة الدولة والتي تُسمى أيضاً "بيت المال" في الإسلام من أربعة أقسام:

1 - أموال الزكاة

الزكاة هي حصة مقدرة من المال (2,5%) أمر الله بدفعها من أموال المسلمين، وتوزع على عدة أصناف من ناس ورد ذكرهم في القرآن الكريم. ألا وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها وفي الرقاب والغارمين، وابن السبيل، وفي سبيل الله.

2- القسم الثاني الذي توضع فيه غنائم الحرب، وضرائب المعادن والكنوز: الفقراء واليتامى وأبناء السبيل.

3- الضرائب المحصلة من غير المسلمين وتنفق على رواتب الموظفين ومصاريف الدفاع القومي.

4- التركة التي لا وارث لها واللقطة (الأموال التي يعثر عليها البعض): وتنفق على المسلمين أو غير المسلمين المحتاجين إلى الرعاية. وكان يعتبر ذلك نوعاً من صناديق التأمين الاجتماعي.

في حال لم تكف هذه الموارد نفقات خزانة الدولة يمكن جمع ضرائب إضافية مؤقتة من المستفيدين من بعض الخدمات المعينة. إلا أن الحكومات الذكية كانت تكتفي بهذا القدر من الموارد لإرضاء الشعب وضمان طاعته وولائه. فلو تم جمع إيرادات بيت المال بطريقة سليمة وأنفقت في أماكنها الصحيحة فلن تكون هناك حاجة إلى جمع ضرائب إضافية أو الاستدانة.

حافظ العثمانيون على التقليد الذي كان متبعاً منذ عهد إمبراطورية الهون، وجعلوا للدولة خزانتين إحداها خزانة الدولة والأخرى خزانة خاصة بالحاكم. وكان يُطلق على الخزانة الأولى التي تمثل بيت المال اسم الخزانة الخارجية (بيرون خزينه سي) لأنها كانت خارج القصر. أما الخزانة الثانية والتي تضم الأموال الخاصة بالسلطان فيطلق عليها الخزانة الداخلية (اندرون خزينه سي) لأنها تحفظ داخل القصر. واعتباراً من عهد السلطان محمود الثاني أُطلق على الخزانة الأولى اسم "الخزانة العامرة" والثانية اسم " الخزانة الخاصة".

* تاريخ الخصخصة:

في القانون الإسلامي لا تنخرط الدولة في الحياة الاقتصادية ولا تنشغل بالتجارة أو الصناعة. بل يفعل ذلك مواطنو الدولة. ومن هذا المنطلق لا مكان للشيوعية في القانون الإسلامي. والعمل الأوحد للدولة هو تحقيق الأمن والأمان في الداخل والخارج. ولتحقيق ذلك تستخدم موارد بيت المال. وتقدم الأوقاف خدمات الصحة والتعليم. أما أعمال البناء والتعمير فيشارك فيها جسدياً أو مالياً الأشخاص المستفيدون من هذه الخدمات. حتى مصاريف المحاكم يدفعها من يتقدمون لرفع دعاوى قضائية أو أي معاملات بالمحكمة. أما بالنسبة إلى النفقات العسكرية فكانت الدولة العثمانية تؤجر الأراضي للمواطنين وتدفع الإيجارات لأشخاص معينين مكلفين بمهمات رسمية يُسمون "سباهية" ويقوم السباهية باستخدام هذه الأموال في تنشئة الجنود وتغطية نفقاتهم. وكانت رواتب كل الموظفين تُدفع بالطريقة نفسها.

تتخذ الدولة التدابير اللازمة لتحقيق واستمرار النظام العام في المجتمع. وتقوم بتهيئة الشروط اللازمة لذلك. وتقوم بنوع من التنسيق بين أفراد المجتمع. ويقوم النظام الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية. ويتيح الفرصة للقطاع الخاص ولكل شخص للقيام بالعمل الذي يريده طالما كان عملاً مشروعاً. فلا يتدخل أحد في أي ربح اكتسبه أي أحد بعرق جبينه. وحرية التملك والادخار والتصرف في الممتلكات متاحة للجميع.

هذا النظام الاقتصادي قريب من النظام الليبرالي المطبق في دول العالم الحر. إلا أنها لم تكن ليبرالية مطلقة بلا رقابة ذلك لأن وضع الحد الأقصى للأسعار وجمع إيرادات الخزانة مثل الزكاة والجزية وتحديد مواضع إنفاقها كان مسؤولية الدولة. ويعتمد هذا النظام قدر الإمكان على المبادرات الفردية والقطاع الخاص في الإنتاج بينما يعتمد العدالة الاجتماعية أساساً في توزيع الدخل القومي بين الأفراد.

* الصورة على العملة:

كان الاقتصاد في الدولة العثمانية يسير وفق مبادئ معينة وهي:

الملكية الخاصة مصونة لا تمس. ولكن يمكن للحكومة أن تشتري الملكية الخاصة هذه حتى دون موافقة صاحبها إذا كان الأمر يتعلق بالمنفعة العامة مثل شق الطرق أو توسيعها مثلاً. كما تقوم الدولة بمصادرة الأموال الخاصة التي اكتسبها موظفو الدولة بطرق غير مشروعة وتعيدها مرة أخرى إلى خزانة الدولة.

حرية التجارة مكفولة. لكن يمكن للدولة أن تحدد تسعيرة لبعض السلع الأساسية مثل الخبز أو اللحم. الأشياء المحرمة دينياً مثل الخمر أو لحم الخنزير محظور تجارتها على المسلمين.

كان الباعة والحرفيون يتبعون نظاماً خاصاً يسمى "كديك" (كان يستوجب الحصول على رخصة لمزاولة حرفة عينة أو فتح دكان لبيع سلعة ما). وكان عدد الباعة والحرفيين في كل منطقة محدداً بهدف الحفاظ على الجودة والتوازن بين العرض والطلب. ولا يُعطى الإذن لشخص ما لفتح دكان لمزاولة عمل معين دون أن يكون قد أصبح متمكناً خبيراً في مهنته ودون أن يفرغ دكان يعمل صاحبه بالعمل نفسه. فلم يكن مباحاً لكل من أراد أن يفتح دكاناً لمزاولة حرفة ما أو الاتجار بسلعة ما.

ويمكن للدولة أن تمنع خروج بعض الاحتياجات الأساسية المهمة مثل الحبوب إلى خارج البلدة أو القرية بهدف منع حدوث مجاعات. وتعرض المواد الزراعية والصناعية أولاً على أهل المنطقة التي أنتجت فيها ويباع الفائض إلى المناطق والمدن المجاورة ويمكن أن يصدر الفائض إلى خارج البلاد. كما كان يمكن للدولة أن تمنع تصدير بعض السلع الإستراتيجية مثل القطن والجلد والصوف.

وكان هناك نظام يشبه الاحتكار في إنتاج وبيع بعض المنتجات. وبعض السلع الأخرى كان بيعها وشراؤها في يد الدولة فقط؛ وذلك لضمان عدم تضرر المواطنين من فرق الأسعار، ولضمان وصول السلع الإستراتيجية لكل أفراد الشعب وعدم اقتصارها على فئة معينة. في فترات معينة تم السماح باحتكار بعض السلع مثل الملح والتبغ والأفيون والحرير وزيت الزيتون والقطن والصوف. وألغي هذا النظام بعد 1839.

كانت الخدمات العامة تُقدم بواسطة الأوقاف. وتركت الدولة بعض الخدمات مثل إنشاء المساجد والمستشفيات والسبل والجسور والأماكن التي تقدم الطعام للفقراء والكتاتيب للأشخاص. وكانت تدعمهم وتدعم الأوقاف التي ينشئونها بتخصيص الإيرادات والإعفاءات لهم. كما كانت تساعد كل المحتاجين حتى من غير المسلمين، وتمول تعمير دور العبادة ودور الأيتام وكل المؤسسات الخيرية التي ساءت حالتها وأوشكت على الانهيار.

كانت الإيالات تقوم بتغطية نفقاتها بواسطة إيرادات الإيالة نفسها. وتقوم بإرسال الفائض إلى الخزانة المركزية. لذلك كان مستوى الرفاهية في كل إيالة مرتبطاً بحجم وقيمة الإنتاج الذي تنتجه هذة الإيالة. ولذلك السبب أيضاً كانت بعض الإيالات أغنى وأكثر عمراناً من بعض الإيالات.

سُمح للأجانب بممارسة الأنشطة التجارية وتم منحهم إعفاءات إجبارية كما سمح لهم بالاحتكام إلى قنصلياتهم في القضايا والمنازعات التجارية التي تنشأ فيما بينهم.

كانت العملات الرسمية من الذهب والفضة. كما سُكت عملات نحاسية أيضاً للاحتياجات البسيطة. لم تهتم الدولة العثمانية بالعملات الورقية بالرغم من أن ذلك كان في صالحها وذلك لحماية حقوق الشعب. وكان يمكن لكل شخص تقديم ما يملكه من ذهب أو فضة إلى مركز سك العملة بالدولة والحصول على عملات ذهبية أو فضية رسمية مع دفع مبلغ بسيط مقابل ذلك.

سكت الدولة عملة لها ولكنها في الوقت نفسه سمحت بتداول عملات بعض الدول الأخرى داخل أسواقها. ولم تكن الصور الموجودة على العملات الذهبية أو الفضية مهمة من حيث قيمة العملة.